هكذا كنا حينا كنا صغارا ، وهكذا كانت لغتنا حين كانت تنشب بيننا صراعات ونزاعات في الأحياء والمدارس سرعان ما تتطور إلى " قـجٍّ " و " قجٍّ " مضاد ينتهي غالبا بـ " ضربني وبكى وسبقني وشكى " ، أو بتدخل " عضلي " ممن هو أكبر منا سنا وأقوى جسدا ، ينهي تدخله هو الآخر بصفعة لكل واحد منا أو بصنع اصطدام ثنائي للجماجم المتصارعة .
" طلقْ .. نطلق" ... " طلق نتا ... نطلق أنا " ... " طلق مني ... نطلق منّك " ، لغة تحاور وتفاهم تعني فيما تعنيه الخروج من الصراع والنزاع والخصومة بأقل الخسائر الممكنة ، وتعني فيما تعنيه أيضا " لا غالب ولا مغلوب " ، و " طلق مني أنت الأول ...إلى بغيتيني نطلق منك " لغة كبرت معنا ، بل ورافقتنا في كل الميادين والمجالات ، فحتى السياسة التي كان الآباء يحرمون علينا الخوض فيها انتقلت إليها هذه اللغة لتؤثت فضاءاتها وأبجدياتها ، وخير دليل على هكذا أمر جعجعات حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية ، فالأول ومنذ أن تولى شباط زعامته " شعلات فيه العافية " فأراد أن يبرِّدها في حزب العدالة والتنمية ، وهو ما ترجم على أرض الواقع بإرساله لمذكرة تطالب بتعديل حكومي اعتبرها قياديو العدالة والتنمية ابتزازا " استقلاليا " ، ردوا عليه بإحالة أزيد من عشر ملفات لمؤسسات عامة تحوم حولها شبهات الفساد والاختلال الماليين على القضاء ، وهو ما دفع شباط إلى اتهام الحزب الحاكم باستغلال القضاء لخدمة مصالح الحزب والانتقائية في تحريك المتابعات القضائية وتلويحه مجددا بالخروج من الائتلاف الحكومي نحو المعارضة ، وهو ما جعل صاحب العفو عما سلف يؤكد بأنه لن يتأثر بسياسة " شد لي نقطع ليك " ....
حين تابعت هذا النزاع الذي تضيع فيه الحقائق والمصالح تساءلت في استياء واستنكار عن سر غياب برنامج الخيط البيض عن مثل هذه الخصومات وقلت في نفسي ما هو دور نسيمة الحر إن لم تتدخل بخيط أبيض بين بنكيران وشباط ؟؟؟،وحين تذكرت صراعات " الدراري " أيام زمان وكيف كان يتدخل " الكبير " في فضها وإنهائها إما بـ " زديح الريوس " أو بتطييب الخواطر تساءلت في نفسي وقلت ـ في نفسي أيضا ـ ترى هل سيتدخل " الكبير " للحد من هذه المهزلة السياسية ؟ وإذا ما تدخل هل " سيزدح الريوس " أم أنه سيكتفي بتطييب الخواطر ؟؟؟
شخصيا لا يهمني من سينتصر في هذا الصراع الاستقلالي العدالاتي ، ولا يهمني أي الفريقين سينهزم بقدرما تهمني ترجمة الوعود والشعارات ـ التي كانت ترفع وتطلق أيام الانتخابات من الفريقين معا ـ إلى أفعال ومنجزات ترى وتلمس على أرض الواقع بعيدا عن سياسات " بعد مني ... نبعد منك " .
ما يهمني حقا هو أن تـُطلــِّق الأحزاب صراعتها ومهاتراتها الخاوية وتطلقنا للفراجة ديال الجد والمعقول ... هذا إلى بغاونا نطلقوا منهم ومن انتقادهم ونقدهم ... أما إلى ما بغاوش فنحن نقولها أيضا بملئ أفواهنا :
طلقوا منا .... نطلقو منكم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق